سبب حدوث الأشياء

[أما " المتفلسفة وأتباعهم " فغايتهم أن يستدلوا بما شاهدوه من الحسيات ولا يعلمون ما وراء ذلك؛ مثل أن يعلموا أن البخار المتصاعد ينعقد سحابا وأن السحاب إذا اصطك حدث عنه صوت ونحو ذلك لكن علمهم بهذا كعلمهم بأن المني يصير في الرحم لكن ما الموجب لأن يكون المني المتشابه الأجزاء تخلق منه هذه الأعضاء المختلفة والمنافع المختلفة على هذا الترتيب المحكم المتقن الذي فيه من الحكمة والرحمة ما بهر الألباب. وكذلك ما الموجب لأن يكون هذا الهواء أو البخار منعقدا سحابا مقدرا بقدر مخصوص في وقت مخصوص على مكان مختص به؟ وينزل على قوم عند حاجتهم إليه فيسقيهم بقدر الحاجة لا يزيد فيهلكوا ولا ينقص فيعوزوا وما الموجب لأن يساق إلى الأرض الجرز التي لا تمطر أو تمطر مطرا لا يغنيها - كأرض مصر إذ كان المطر القليل لا يكفيها والكثير يهدم أبنيتها - قال تعالى {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}
وكذلك السحاب المتحرك
وقد علم أن كل حركة فإما أن تكون " قسرية " وهي تابعة للقاسر أو " طبيعية " وإنما تكون إذا خرج المطبوع عن مركزه فيطلب عوده إليه؛ أو " إرادية " وهي الأصل فجميع الحركات تابعة للحركة الإرادية التي تصدر عن ملائكة الله تعالى التي هي المدبرات أمرا والمقسمات أمرا وغير ذلك مما أخبر الله به عن الملائكة وفي المعقول ما يصدق ذلك. فالكلام في هذا وأمثاله له موضع غير هذا]

ابن تيمية
(مجموع الفتاوى) (6/ 558)


أي أن العلم التجريبي قاصر عن معرفة سبب الأشياء الأصلي، بل يصفها فقط ولا يدرك المحرك الحقيقي المتسبب فيها.
فمهما درس التجريبيون الجينات والإلكترونات فلن يتوصلوا لـ "سبب/دافع" تحركها بهذا الشكل أو تنظيمها بهذه الطريقة.
فالعلم التجريبي ينجح في وصف "كيف" تحدث الأشياء، لكن لا يقدر أن يعرف فعلا "لماذا" تحدث الأشياء.

ثم في الفقرة الأخيرة يشير ابن تيمية إلى أن الملائكة هي من تقوم بتحريك الأشياء وتدبيرها.. وهو نفس مفهوم "الحركة التسخيرية" التي تجعل الشمس تنتقل بين الشمال والجنوب، مخالفةً للحركات الـ"طبيعية"



=====
شرح:
يقصد بـ المتفلسفة: العلماء التجريبيين.. حيث كان العلم مختلطا بالفلسفة قديما
ويقول أنهم يبحثون في "كيفية" حدوث الأشياء، لكن لا يستطيعون طبعا الوصول لـ "سبب" حدوث الأشياء. لأن العلم التجريبي يختص بالمحسوس والمادي، ولا يقدر على فهم أو استيعاب ما بعد المادي.
وأعطى مثال: النطفة في الرحم، والسحاب في السماء.
فالنطفة مثلا، ما الذي يجعلها تتحول إلى إنسان بأعضاء مختلفة؟ وما الذي أعطى للماء المهين الدافع كي يتحول لكبد وطحال ويتحرك ويفكر؟
العلم إلى الآن لا يعرف ما الذي "يدفع" الجينات للتصرف. أي أن العلم يمكن أن يعرف "كيف" تتصرف الجينات لكن لا يقدر العلم ولا الفلسفة أن يعرفوا تجريبيا "لماذا" تقوم الجينات بهذه التصرفات.
طبعا المسبب هو الله.
وحركة السحاب المسخر هي نفس الشيء. يمكن أن يعرف العلم مسألة التبخر وحركة الرياح لكن لا يفهم العلم "الدافع" وراء المطرر، أو نزول الماء على قوم دون قوم في وقت مختلف عن وقت، إلخ

ثم ينتقل لمسألة "دافع الحركة". فالحركات إما قسرية: أي إجبارية، نتيجة لوجود قاسر.
أو "طبيعية" أي فيزيائية عادية: مثل سقوط الأشياء على الأرض.
أو "إرادية": أي نتيجة لوجود مخلوقات غير بشرية (ملائكية) تقوم بتدبيرها وتحريكها في نسق معين.

كان البعض يسألنا (لماذا تتحرك الشمس في نظام ثبات الأرض حركة غير "طبيعية" بين مدار السرطان شمالا ومدار الجدي جنوبا؟) والإجابة هي أن الله يحركها بهذه الطريقة كي تنفعنا، أي حركة "تسخيرية" ترتبط بـ "هدف/دافع" الحركة لا بالقوانين الطبيعية الفيزيائية النيوتنية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

100 Arabic words in Frank Herbert's Dune

Mobile Movies

Darth Vader's Jewish Origin - The Golem of Star Wars